موقع الشهيد عز الدين قلق

طيور المخيم

أحمد عبدالمعطي حجازي | إلى عز الدين قلق ، المناضل الماثل والصديق الغائب .
وفلسطين واقفة وحدها
خيمة ٌ في العراء ،
ترد ٌ الجحافل عن ملكوت التشرُّدِ ،
من بعد مافتحت لهم المدن السَبع أبوابها
ودعاهم ملوك الطوائف للصيد والقنص ِ ،
في الجسد العربي الجميل !

طيور المخيم

خيمة وعمود من النار ،
تلك فلسطين تطلع ثانية في الجليل
عبثا
تقتلون الأجنّة في باطن الأرض ،
أو تتبعون الغزالة في لجيج الضوء
أو تنصتون إلى ما يُسِرّ ُ به الرمل من دمها السلسبيل

مالذي قالت البئر للريح
والنار للشيح ِ
والناقة المستحمة في قمر الغور للسنديان
ومن ألَــَّفَ الغيم ولآل في سدرة ٍ
وسقى من أغاني الرعاة وقهوتهم حبقا ونجوماً ،
وأرهف في الليل مابين عوسجة ورفيق قطاة ٍ
ومن حمـّـل الروح شهوة مقثأة ٍ
تتململ عبَّ الظهيرة نافثة عطرها الشبقيّ العليل
ومن يغزل الماء والضوء تحت الرمال
وينسج في الغيب سجادةً لفلسطين
من مـُهج الكائنات الخفية ؟

كيف تركنا المواسم في الأرض ؟
كيف تشبث فلذ ٌ بفلذ ٍ
وجرثومة ٌ بشعاع
وملنا إلى الشرق ،
حتى فقدنا مواضع أقدامنا في مدار الفصول !

آه ما أكثر البرتقال الذي يحمل اسم فلسطين في طرقات المهاجرِ
لكن ليس يحمل ماحفظت الطفولة من عطرها الحي ِّ .
هل تمنح الأرض أحشاءها للغزاة ،
وهل يحمل القاتل المتجهم وجه القتيل !

خيمة ، وعمود من النار ،
تلك فلسطين تطلع ثانية بعد أيلول ،
تطلع بعد حزيران ،
تطلع في زمن الشهداء ، وتمتد
حتى تلامس من دمها صبية في المخيم
لم يشهدوا في فلسطين إلا الحنين إليها ،
وهاهم ،
يمدّون أجسادهم لتراب فلسطين قنطرة ً
يملؤن بأشلائهم معدَّة ً ،
تتحدَّدر بين مخيمهم وسماء الجليل !

آه ياحجلا ً طائرا ً خارج الأرض والوقت ِ
يفرخ ما بين منفى ومذبحة ٍ ،
ويريد فلسطين ،
لكن لايرى من فلسطين إلا بمقدار ماتخرج النارُ
من فوهات البنادق حتى تعود ؟ زغبا ناعماً ،
يتطاير فوق اخضرار السهول

لا أبشر بالموت ،
لكن سيكون حضارتكم ،
أيها القادمون لنا بالتوابيت محشوة بالبنادق ،
لست أبشر بالموت لكن سيكون حصيد محاريثكم
ورفيق مواليدكم
وضجيج نسائكم الموت ُ !
كيف يصير الضحية قاتل أخويه
وتحلَّ محلَّ الفيولينة البندقية ؟
تلك فلسطين مابيننا
وحدود فلسطين ليست هي النهرَ
أن حدود فلسطين اخر قطرة دم تسيل !

غابة من هوادج في الليل
والأنجم البيضُ أجراسها
شجر الله ،
أشرعة ٌ من عصور خلت
تلتقي ، والنجوم مصابيحُها ،
ثم ترسم مفترقا ً ،
وتواصل في الدهر هذا الرحيل !

وفلسطين واقفة وحدها
خيمة ٌ في العراء ،
ترد ٌ الجحافل عن ملكوت التشرُّدِ ،
من بعد مافتحت لهم المدن السَبع أبوابها
ودعاهم ملوك الطوائف للصيد والقنص ِ ،
في الجسد العربي الجميل !
لم لايدخلون ؟
وقد وشموا ذلك الجسد المستباح بأسمائهم وعناوينهم
وشقوه براياتهم
رسموا فوقه مدنا ومواخير واقتسموها
وولـّوا عليها المماليك من كل ّ عبد خصي ذليل !

وأنا ،
وطيور المخيم
ليس لنا علم ٌ
مثلـُنا مثلُ رمل الصحارى ،
ومثلُ النخيل
ومثل فلسطين
ليس لنا عِلم ٌ
ولنا ملكوتُ التشرَّدِ ،
ليس لنا غير هذا الطريق الطويل !

أحمد عبد المعطي حجازي*

نشرت هذه القصيدة في دورية “شؤون فلسطينية ” العدد 80 بتاريخ تموز (يوليو) 1978 ، وبعد استشهاد عز الدين ، وصلت هذه القصيدة إلى عائلة القلق مكتوبة بخط يد الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي وعليها الإهداء المذكور أعلاه ، وهي محفوظة لدى العائلة .

(*)_ أحمد عبد المعطي حجازي شاعر وناقد مصري، ولد عام 1935 بمحافظة المنوفية بمصر. أسهم في العديد من المؤتمرات الأدبية في كثير من العواصم العربية، ويعد من رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر. ترجمت مختارات من قصائده إلى الفرنسية والإنجليزية والروسية والإسبانية والإيطالية والألمانية. حصل على جائزة كفافيس اليونانية المصرية عام 1989، جائزة الشعر الأفريقى، عام 1996 وجائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، عام 1997

إقرأ أيضا

Leave a Comment