| ولكن لا ..
لقد رسم ولدي عزالدين الطريق أمامه واضحة منذ البداية ، عاش طوال ربيعه يسير في هذه الطريق بصبر وإرادة وعزيمة، كان يعرف أشواك الطريق ونهايتها .. وكان مع ذلك مستمرا فيها دون خوف أو تراجع.
قلت له آخر مرة :
ولدي عزالدين ، لماذا لا تسعى في الأرض في غير ما أنت ساع ٍ إليه.فأجاب والابتسامة كعادته، تطفح في وجهه :
يا أبت ِ أنا لن أهرب من المعركة!
وأنا ياعز الدين لا أريدك أن تهرب من المعركة وأقولها والأسى يفعم نفسي : ماكنت يا عزالدين لأريدك أن تهرب من المعركة أو تتخلى عنها،أو حتى أن تتباطأ في مسعاك لها،مع أنني كنت مثلك أعرف نهاية هذه الطريق! ولكن قلب الأب يخفق دائما بالحب ، ويحرص على فلذة الكبد من كل شر.. يحرص على الإبن البار، الإبن العطوف .. الإبن الصالح لدينه ودنياه ، لأهله وشعبه ووطنه..
وأي ابن أنت يا عزالدين ..
منذ أن أفاقت عيناه على الدنيا وهو يلتمع بالمواهب: شارك في مطلع شبابه في نشاط الرابطة الأدبية المعروفة – وحي القلم – وكانت له قصص قصيرة كثيرة ، شهد له الزملاء والنقاد بجودتها وأصالتها ، ولكن لم يكن هذا طريقه . كما ساهم في مجال الفن فقدّم أعمالا مسرحية متعددة على خشبة المسرح ،ولمع في هذا المجال بين أقرانه ،ولكن لم يكن هذا طريقه . وكذلك رسم لوحات فنية متعددة وهي لاتزال تشهد على قدرته وموهبته ،ولكن لم يكن هذا طريقه ..
ثمّ تابع دراسته الجامعية وحصل على الإجازة في الكيمياء ، وقرر أن يسافر ويعمل في الغربة كي يؤمن لنا حياة أفضل،ويدعم جهود والده في إعالة الأسرة وبالفعل فقد عمل واقتصد واشترى لنا بيتنا ،الذي نسكنه وعاد بعد ذلك وانكبّ على دراسة اللغة الفرنسية ، حتى أجادها قبل أن يسافر إلى فرنسا ، أجل فقد وصل إلى مرحلة قراءة الروايات وترجمتها باللغة الفرنسية ،وغادرنا إلى الغـربة ثانيــة ليدرس ويحصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء من جامعة بواتييه ولم يعرف أحد أنه سينتقل من الغربة عن الأهل إلى الغربة الأبدية، دون أن نـراه وقد استقر معنا في هذه الحياة ولو لأشهر قليلة ..!
هكذا كان رحمه الله ..
جعل القضية هي المستقر، وهي الحياة بحلوها ومرّها ، إنه لم يمت شهيدا وحسب، وإنما قد عاش عيشة الشهيد كما يجب أن تكون!
ولدي عزالدين أعطى ولم يأخذ ..أعطى شبابه وحياته ، وكان حين يعطي كأنما يأخذ ، وكل ميراثه في هذه الحياة، لوحة معدنية للقدس أهداها لأمه! مات لا يملك شيئا سوى عمله!.. سوى ماعمله للقضية الفلسطينية، وهذا عندي بكل ميراث الدنيا!
أمّا الرصاص الجبان ، الذي قتل ولدي عزالدين ورفيقه عدنان حماد وقتل في السابق رفاقه الأبطال ، فهو لابد أن يعود إلى نحور أصحابه ، أمّا الشهداء فلهم الجنة عاشوا شرفاء وماتوا شرفاء ” ولاتحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ، بل هم أحياء عند ربهم يـُرزقون.”
محمد سعيد القلق: 1914 مدينة يعبد في فلسطين ـــ 16 .10 .1983 مدينة دمشق
فاطمة محمود اليحيى: 1919 قرية الطنطورة ــ 29 . 9 . 1988 مدينة دمشق
www.ezzedinekalak.com | designed by: Hammam Yousef :: Copyright © 2017 - 2018