بقلم أحمد دحبور | أقدمت السلطات الفرنسية على الإفراج عن المجرمَيْن الذين اغتالا عز الدين القلق في باريس عام 1978، قبل انتهاء مدة محكوميتهما، وذلك بحجة حسن السلوك
وسط ضجيج حرب الخليج ، وانخفاض سعر الدولار ، وتنامي الحديث عن الإرهاب في أوروبا، أقدمت السلطات الفرنسية على الإفراج عن المجرمَيْن الذين اغتالا عز الدين القلق في باريس عام 1978، قبل انتهاء مدة محكوميتهما، وذلك بحجة حسن السلوك.
قد يبدو هذا الخبر عاديا لأول وهلة ولكن وضعه في السياق الزمني والسياسي الراهن يدل على أنه ليس خبرا عاديا، وليس بريئا.. فأجهـزة الإعـلام الأوروبية الغربية، وفي طليعتها الفرنسيـة، تنعي الأمـن والهدوء ليل نهار، وتشن حملة متصلة ضد الإرهاب والإرهابيين، وتعرّف الإرهاب بأنه قائم أساسا على الاغتيال الفردي بهدف الكسب السريع ماديا أو سياسيا أو إعلاميا …
ولقد كانت جريـمة اغتيـال عز الدين القلق أنمـوذجا صارخا للإرهاب. فهـذا المثقف الديبلوماسي الفلسطيني الذكي ، الذي أدهش الفرنسيين بنشاطه ودفاعه عن قضيته العادلة، والذي التزم بالثوابت الـوطـنـيـة، فلـم يلتق بأعداء شعبـه ، وإن كان لم يهادنهم، والذي عقــد أوثق الصلات مع الشخصيـات الديمقراطية والثقافية الفرنسية، تمّ اغتياله في مكتبه، هو ومعاونه عدنان حماد، فـي وضـح النهار،ولم تستطع الجماعة الإرهابية التي قتلته لفائدة أحـد الأنظمـة أن تقدم تفسيرا، ولو شكلانيا لهـذه الجـريـمة، فمرّة قالوا أنه أسهم في تسليم أبي داود للإنتربول ونفى أبو داود نفسه ذلك قطعيا بل أسهب في الحديث عن الدور الإيجابي، الذي قام بـه السيـد عز الدين القلق لفائدته، ومرّة قالوا أنه قابـل بعض الصهاينة، وقد نفت مختلف القوى السياسية الفلسطينية والفرنسية والعربية ذلك واستهجنته ، فضلا عن أن الصهاينة عبّــروا عن سعادتهم الشديدة باغتيال هذا الخصم العنيد، وكلّفـوا اثنيـن من المحامين الفرنسيين المشهورين بميولهم الصهيونية للدفاع عن المجرمين، اللذين ارتكبا جريمة اغتياله، وتبنت الدفاع عنهما كذلك صحيفة فرانسواز الفضائحية.
فإذا لم تكن هذه الجريمة إرهابا ، فما هو الإرهاب في عـُـرف العنصريين الأوروبيين إذن..؟
يبدو أن الإرهاب لايُعدّ إرهابا ،في عرفهم، إلاّ عندما يتـعرض له الأوروبيون فقط، أمّا شعوب العالم الثالث فليست لتستحق هذه الضجّة ؟
إن هـذه الفلسفـة السوداء هي التي تفسر لمـاذا تقـوم القيـامة إذا تعرض أمريكي معـوّق لحادث غامض ، بينما يحتاج الأمر إلى بعض التفكير عندما يتـعرض شعب بكامله للابادة في لبنان أو جنوب إفريقيا …
هل نتذكر ، لهذه المناسبة ، ما قاله بيغن عندما أتته أخبـار المجزرة الأولى في صبرا وشاتيلا، وكان قد أصبح معروفا أن الكتائب بزعامة إيلي حبيقة قد شاركوا في هذه الجـريـمة؟ قال بيغن يومها : غوييم يقتلون الغوييم والأمر لا يعنينا. والغوييم تعني بالعبرية، الآخرين، ولكن مع صفة تحط من قدرهم، وبيغن هذا هو نفسه ،الذي أقدم على مجزرة دير ياسين، ومع ذلك فقد قبلته العنصرية الأوروبية رجلا أوّل عمليا في كيان يسمى دولة، وليس هذا فقط، بل منحته اللجنة السويدية جـائـزة نوبل للسلام!
إنّ العقل ، الذي يقرر منح بيغن جائزة نوبل للسلام ، هو العقل الذي يبيح اغتيال المغاربة العرب في باريس، لا لشيء، إلاّ لأنّ أشكالهم تفسد جمال المدينة العريقة!! وهو العقل الذي يبيح الإفراج عن المجرمَين اللذَين قتلا عز الدين القلق …
ولنلاحظ أن الإفراج عن هذين المجرمين، تـمّ بعـد فتـرة قصيـرة من تبرئة القضاء البرتغالي للمجرم الذي قتل الدكتور عصام السرطاوي …
إنّ الاغتيال، في هـذه الحـال، يتـم مرّتين: مرّة يتم عضويا ومباشرة، ومرة يتـم بتبرئة ساحـة المجـرم أو تبييض صفحته، وربما أحيانا بالإساءة إلى الشهيـد، ألم تحاول بعض الأوساط البوليسية الإيطالية أن تفسر عملية اغتيال الشهيد ماجد أبي شرار، بأنه – عربي – كان يعبث بالمفرقعات ، التي أحضرها معه إلى روما – لأمر ما – فانفجرت به؟
إنّ هذه القرائن كلها تقول شيئا واحدا “العنصرية الأوروبية” شريكة في الإرهاب، بل إنها مصنع تفريخ الإرهاب، وهذه العنصرية العمياء من شأنها أن تؤجج الاعمـال الثأرية ، بين الاغتيال والاغتيال المضاد…
على أنّ الثورة الفلسطينية لن تقع في الفخ ، ولـن تلجأ إلى الإرهاب الجبان. لهذا فإن الـرّد علـى جريمة الإفراج عن المجرمين اللذين قتلا عز الدين القلق، إنما يكون بتصعيد العمليات الفدائية المشروعة، التي يُقرها العرف الإنساني. ولهذا فليس من المصادفة أنه في الأسبوع الذي تمّ فيه الإفراج عن هذين المجرمين ضجـت وكالات الأنباء بنبأ آخر عن عملية فدائية شجاعة للثوار الفلسطينيين في مستـعـمـرة معالوت، داخل الوطن المحتل …
ولكن من يضمن لنا أن الجهة التي أفرجت عن المجرمين لن تصف هذه العملية بأنها عمل إرهابي؟؟؟
www.ezzedinekalak.com | designed by: Hammam Yousef :: Copyright © 2017 - 2018