موقع الشهيد عز الدين قلق

تاريخ يوشك على الغرق

بقلم منذر جوابرة* | مقتنيات «عز الدين القلق» للملصقات المعروضة، امتازت بقوة التعبيروالجرأة، من خلال ما وظف من رموز عالمية تقرأها وأنت تتحسر على ذاك التاريخ، تعيش الموروث الحافل والطويل  للفدائي، للشعب، للثورة، تاريخ يوثق هذه المرحلة من فترة الستينيات لبداية الثمانينيات .

تاريخ يوشك على الغرق

تنساب سائلا كالماء،تتحدر من هوّة تتعالى في السحب الرمادية، تصير منفصلا مزدوج الرؤى، وكأنك تتابع فيلما بتاريخ ثنائي. ليس لشيء، إلا لأنك تندرج تحت إطار زمني معاصر، وبالوقت نفسه تعايش أحداث التاريخ العميق، تاريخ محمل بكل معاني الانتماء والالتزام المطلق، حسٌ جمعي بدأنا رويداً رويداً نفقده.

في «جاليري المحطة»، وبخلاف عادتي التي أعلّق بها الأعمال الفنية على جدران «المحطة» أحياناً، أصبحت هذه المرة أقف متذوقاً كأي شخص يعبُر من هذا المكان إلى خيالاته وأحلامه الخاصة.. بدأ الدم يتدفق لرأسي، والجسد يشتعل شيئاً فشيئاً. كنت أقف أمام أعمال تشحنك بالطاقة الرجولية (الفدائية)، وهذا المصطلح على الأقل مفهوم وذو معنى واضح لجيل الستينات والسبعينات والثمانينات، أنظر لتلك الملصقات وكلي غارق بذاك الزمن، لم أنتبه لفارق الزمن ولا لعنف الوقت .

مقتنيات «عز الدين القلق» للملصقات المعروضة، امتازت بقوة التعبيروالجرأة، من خلال ما وظف من رموز عالمية تقرأها وأنت تتحسر على ذاك التاريخ. لم تخلُ الأعمال من البعد الفني الجمالي، والمعرفي أحياناً، على الرغم من الفارق التكنولوجي بين انجازات القرن الماضي وبين هذا القرن في فن الملصق. بالانفصال الزمني هذا، تعيش الموروث الحافل والطويل  للفدائي، للشعب، للثورة، تاريخ يوثق هذه المرحلة من فترة الستينيات لبداية الثمانينيات، مروراً بالزخم السياسي والفني والفكري والاجتماعي أيضاً لتلك الفترة.

بفن الملصق «البوستر»، لا زلت أستذكر أسماءً مهمة على الصعيد العالمي، ساهمت وساندت القضية الفلسطينية، انطلاقاً من عمقهم وإيمانهم الإنساني لهذه القضية، كالبولندي كاولسكي وماريان ناونيسكي، وريجو كاليفي الذي اشتهر بتوظيف الصور الفوتوغرافية لانجاز ملصقاته «بوستراته»، مروراً بأسماء شاركت وكانت حاضرة بهذا المعرض مثل: العراقي ضياء الدين العزاوي، والسوري برهان كركوتلي، والمصري حلمي التوني، ومن فلسطين مثل كمال بلاطة وجمانة الحسيني وإسماعيل شموط، وغيرهم..

رغم ابتساماتي الصفراء أحيانا وأنا أتشرب هذه الأعمال، إلا أن ومضات من الحزن كانت تجتاحني، واستذكرت فناني عصر النهضة ومن سبقهم من العظماء والذين اختفت أسماؤهم عن التوقيع على العمل الفني، وهنا ومع تقارب التشبيه، وجدت أن بعض الفنانين من منجزي الملصق، لم تكن أسماؤهم موجودة، وإنما مسجلة «لفنان مجهول»، فحقاً لزم علينا أن نقول: هم أيضاً جنوداً مجهولون.

ربما يكون هذا المعرض حافلا بصور التذكر والذكرى، مليء بتاريخ يوشك على الغرق، تباين واضح بين القيمة والمعنى لزمنين متقاربين، بين الآن وكان، سواء بقيمة التعبير، أو صدق الحالة، أو الانتماء الجمعي والإحساس بهذا الشكل من الفن، وقد أثبت بأحقية وملازمة الملصق للثورة والقضية الفلسطينية بكامل مراحلها وتطوراتها، ويذكرنا ذلك بالحركات اليسارية والملصقات الروسية، ومما لا شك فيه أن هذا يندرج تحت «الفن المجتمعي». وهذا يضيف أيضا للدارسين والمهتمين تميزاً فلسطينياً واضحاً! لازم ورافق مسألة وجودية لشعب لا زال يعاني الاحتلال.

معرض الملصقات هو تداخل بصري ذهني حسي، بين الكتابة والصورة والرسم والتصميم، يعبر عن ثقافة إنسانية واعية. تتعايش حالته بحسك البديهي الفطري. ويتوجب على هذا المعرض أن يتجول بكافة مدن وقرى ومخيمات فلسطين، لشحن الهمم، والتذكير بواقعنا الحالي المتآكل.

إقرأ أيضا

Leave a Comment