موقع الشهيد عز الدين قلق

حيث يأخذك الرسم

بقلم نائلة خليل* | أدرك عزالدين القلق الذي كان يحمل دكتوراه في الكيمياء من فرنسا ، أن سلاح الثقافة لا يقل فاعلية عن السياسة والبندقية، فوظف علاقاته الواسعة بين المثقفين الأوروبيين لحشد الدعم الثقافي لصالح القضية الفلسطينية .

ملصقات فلسطين” لعز الدين القلق.. حيث يأخذك الرسم إلى مكان أو جرح أو مناسبة

2009-12-22

كتبت نائلة خليل:

بعد أكثر من ثلاثة عقود على اغتيال عز الدين القلق وصلت مجموعة ملصقاته الى الأراضي الفلسطينية… جيل بأكمله من الفلسطينيين لم يكن مولوداً عند رسم وطباعة هذه الملصقات، واليوم تتاح لهم فرصة نادرة لرؤية أهم الصفحات في تاريخ القضية الفلسطينية عبر الملصقات السياسية لتلك الفترة.
في جاليري المحطة برام الله، تعرض الملصقات التي جمعها عز الدين القلق قبل اغتياله، المعرض يأتي تحت عنوان “ملصقات فلسطين”… عنوان محايد وخالٍ من أية شحنة عاطفية أو وطنية، على العكس تماماً من الملصقات ذاتها التي بقيت تحتفظ بذلك السحر الغامض للوطن المسلوب، للحظة ما يدرك زائر المعرض أن فلسطين في ملصقات القلق أجمل من فلسطين اليوم.

في مدخل المعرض عُلق الملصق الأول، إنه ملصق عز الدين القلق بعد استشهاده في الثاني من أب العام 1978، على يد المنشق عن “فتح” صبري البنا ضمن سلسلة اغتيالات نفذها طالت مجموعة من أبرز قيادات الحركة في السبعينيات. 

تكمل طريقك في المعرض فيأخذك كل ملصق إلى مكان أو جرح أو مناسبة وطنية فلسطينية، تنغمس في أجواء سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عندما كانت أغنية “جر المدفع يا فدائي” و”طل سلاحي من جراحي يا ثورتنا” قادرة على تحريك جماهير غاضبة في كل فلسطين تطالب بالحرية، وتتمسك بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً.

تحمل الملصقات الـ”54″ المعروضة الكثير من الرموز و”الثيم” الفلسطينية المشتركة، مثل القدس، الشهيد، الفدائي، البندقية، البرتقال، وتعكس الروح الثورية التي سادت بين الفلسطينيين في الشتات وخصوصاً في لبنان حيث كان ارتكاز منظمة التحرير الفلسطينية حينها. 

رغم أن هذه الملصقات تعود لفنانين فلسطينيين وعرب وأجانب، إلا أن القاسم المشترك الأكبر بينها هو أنها شكلت الوسيلة الأفضل لنشر القضية الفلسطينية، فهي وسيلة نضال شاملة وفنية في الوقت نفسه، وخفيفة الوزن حيث بالإمكان نقلها لكل مكان وهذا بالضبط ما هو مطلوب.

أدرك القلق الذي كان يحمل دكتوراه في الكيمياء من فرنسا، وشغل منصب رئيس اتحاد طلبة فلسطين هناك من 1969 الى 1970، وعمل لاحقاً مديراً للمكتب الإعلامي لحركة فتح في فرنسا، أن سلاح الثقافة لا يقل فاعلية عن السياسة والبندقية، فوظف علاقاته الواسعة بين المثقفين الأوروبيين لحشد الدعم الثقافي لصالح القضية الفلسطينية.

في ذلك الحين أصبحت فلسطين في كتابات ورسومات الكثير من الفنانين الأوروبيين تمثل رمزاً للحق والمعاناة وصورة للظلم في هذا العالم، فكان من البديهي أن يضم المعرض العديد من الملصقات التي رسمها فنانون فرنسيون وإيطاليون أرّخوا بها تفاصيل حاسمة في التاريخ الفلسطيني.

العديد من زوار جاليري “المحطة” توقفوا طويلا أمام ملصق للفنان الإيطالي ف. دومينيتشي، الذي عبر عن مجزرة تل الزعتر الرهيبة العام 1977، الملصق به حالة حزن وزهد يشبه حال مخيم تل الزعتر أثناء الحصار، لم يرغب الفنان أن يتحدث كثيراً عن مجزرة تخبر بنفسها عن بشاعتها، فاكتفى برسم ثلاثة آلاف هيكل إنساني بحجم صغير، وكتب أسفل الملصق “انظر… هؤلاء هم ثلاثة آلاف، إنهم شهداء تل الزعتر”.

ملصق آخر يصوّر فدائياً باللباس المرقط وهو ملثم بالكوفية يدخل ببندقيته الى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيقوم بإزالة قضية النقاش لذلك الاجتماع وهي “مشكلة اللاجئين” ويثبت مكانها “الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني”، والتاريخ كما كتب حينها على الملصق هو أثناء الدورة التاسعة والعشرين العام 1974.

في واحد من الملصقات يصوّر الفنان المصري حلمي التوني فلسطين بأنها امرأة جميلة وباكية تحمل البرتقال، ويركز الفنان السوري برهان كركوتلي على الكفاح المسلح الذي خاضته المرأة الفلسطينية الى جانب الرجل.

الفنان الراحل إسماعيل شموط عنون أحد ملصقاته بأحد أشهر شعارات الثورة الفلسطينية “ثورة حتى النصر” حيث جمع الملصق بين نظرة التصميم وقبضة اليد على الرشاش.

عندما بدأ القلق بجمع ملصقات وطوابع البريد التي تعكس الثورة الفلسطينية منذ منتصف الستينيات وحتى عام اغتياله 1978، لم يكن يخطر بباله بالتأكيد أن هذه الملصقات التي تعتبر تأريخاً للثورة في الشتات، ستنتقل من فرنسا مكان اغتياله، إلى دمشق حيث تعيش أسرته اللاجئة، ومنها إلى بروكسل لتشارك في موسم “مسارات الثقافي” بين فلسطين وبلجيكا الذي بدأ العام 2008، قبل أن تنتقل نسخ مطابقة لهذه الملصقات إلى الأراضي الفلسطينية.

ما لم يخطر ببال الشهيد، هو بالضبط ما قامت به سفيرة فلسطين في فرنسا ليلى شهيد، المرأة الأكثر نشاطاً في تشجيع الثقافة الفلسطينية في أوروبا، ففي لقاء شهيد الباحثة رشا السلطي في بيروت، والمعروفة باهتمامها بالملصقات السياسية أثناء الثورة الفلسطينية، أكدت أن هناك مجموعة من أهم الملصقات بحوزة عائلة عز الدين القلق في سورية.

سافرت شهيد والسلطي بعد يوم واحد من حوارهما إلى سورية للقاء عائلة عز الدين القلق، هناك وجدتا أن أهم ملصقات الثورة الفلسطينية التي جمعها عز الدين القلق كانت تحتفظ بها العائلة تحت الأسرة حفاظاً عليها، بسبب ضيق المكان.

بعد أن عرفت العائلة برغبة شهيد بعرض الملصقات في بروكسل ولاحقاً في فلسطين والمحافظة عليها بشكل لائق، قدمت العائلة دون تردد الملصقات الـ”54″ الى شهيد، مع أمل أن تصل هذه الملصقات الى جمهور الأراضي الفلسطينية المحتلة لإعادة إحياء ذكرى الشهيد عز الدين القلق بين الأجيال الشابة.

تقول فاتن فرحات منسقة مشروع مسارات في فلسطين: “تم إحضار نسخ بالغة الوضوح عن الملصقات الأصلية المعروضة في بروكسل، خاف القائمون على المعرض أن يقوم الاحتلال الإسرائيلي بمصادرة أو إتلاف مجموعة ملصقات عز الدين القلق، لذا توخياً للحذر أحضرنا نسخاً عنها”.

وتقول: “هذه الملصقات أرخت لجزء مهم من تاريخ القضية الفلسطينية، والأجيال الفلسطينية التي ولدت بسبعينيات القرن الماضي لا تعرف عن هذا التاريخ إلا ما قيل لها أو ما قرأته، لكنها لم تطل على هذا التاريخ من جانب الملصقات السياسية، وهو جانب مهم جدا لتكوين صورة عن ذلك التاريخ”.

من يزور المعرض يكتشف الكثير من الأشياء، مثلا كان لدينا يوم يدعى “يوم التضامن مع أطفال فلسطين”، ويوم آخر هو “يوم النضال الفلسطيني” كان الاحتفال بيوم الأرض مقدس، وهناك ملصقات لتعبئة الرأي العام الخارجي، لا نعرف أين ذهب هذا كله الآن.

اكتشاف آخر لافت في ذلك الزمن، هو الحضور القوي للمرأة الفلسطينية، وهو حضور ليس رمزياً أو من باب الجندر لا سمح الله، بل لأن المرأة هي شريكة النضال، الإعلام الموحد لمنظمة التحرير في ذلك الحين الذي أصدر معظم هذه الملصقات، أفرد ملصقاً خاصاً لمناسبة يوم الأرض تحت عنوان “زكية شموط” كُتب عليه “زكية شموط مناضلة من اجل تحرير الأرض، اعتقلت وهي حامل بتهمة وضع متفجرات في سوق العفولة وحكم عليها بالسجن المؤبد، ووضعت طفلتها نادية في السجن وانتزعت منها بعد 16 شهراً”.

المرأة في ذلك الزمن كانت قوية مستقلة وليست احتياطي أصوات للأحزاب السياسية، وإلا فأين تستطيع أن ترى في كل المدن الفلسطينية اليوم ملصقاً لامرأة مكتملة الجمال بشعرها الحالك وعينيها السوداوين تقبض على البندقية بتصميم، وكل ما تحمله من هوية هي الكوفية الفلسطينية فقط؟”.


المصدر :

 

إقرأ أيضا

Leave a Comment