موقع الشهيد عز الدين قلق

فلسطين ليسَت طيفا

بقلم عزالدين القلق | إن فيلم ” النضال من أجل الأرض أو فلسطين في اسرائيل، يهدف على المستويين السياسي والسينمائي إلى الدعوة لتعايش اللاجئين الفلسطينيين مع دولة اسرائيل. يكرّس ماهو قائم. ورغم انتقاده الاستمرار في سياسة مصادرة الأراضي العربية ( التي لم يبق منها إلاّ القليل في أراضي ال48) ورغم مطالبته بتحسين أوضاع القرى العربية ( مد الكهرباء مثلا ) فإنه يظهر الوجود الوطني الفلسطيني عبر الوثائق التسجيلية القديمة كوجود هامشي، مهلهل تاريخيا ، لشعب لايستحق الحياة . لاينبس الفيلم ببنت شفة عن نضالات الشعب الفلسطيني والجماهير العرية ضد الاستعمار البريطاني وضد الحركة الصهيونية.

جرى، ذات يوم من أوائل شهر آذار (مارس)، عرض خاص في بيروت لفيلم “النضال من أجل الأرض أو فلسطين في اسرائيل”. وقد حضر العرض عدد من العاملين في الاعلام وسينما الثورة الفلسطينية، وأعقب ذلك نقاش بين الحاضرين تناول الجوانب السياسية والسينمائية للفيلم، وقد طرحت فيه عدّة أسئلة.

  • من هي الجهة المنتجة للفيلم ؟
  • ماهو مغزاه السياسي ؟
  • ماهي قيمة الوثائق التاريخية فيه وكيف تمّ استخدامها ؟
  • وهل يستحق هذا الفيلم فعلا ، جائزة منظمة التحرير الفلسطينية .

وكان الفيلم قد أثار ردود فعل وتقييمات سياسية متباينة، بين متحمس له مثل سعيد مراد ، الذي يرى أنّ ” كل ما في الفيلم من مضمون ومادة هو دقة في التعبير الواعي في عدائه للصهيونية وآلتها اسرائيل “{راجع شؤؤن فلسطينية عدد 76 آذار (مارس ) 1978} وبين معاد يرى فيه فيلما صهيونيا مدروسا بدهاء شيطاني .

إن الحافز الذي دفعني لإجراء هذه الدراسة التحليلية السياسية والسينمائية على هذا الفيلم ينبع من كونه منتوجا سينمائيا آخر يضاف إلى عدد من الأفلام التسجيلية، التي تعالج قضية فلسطين شعبا وأرضا ونتائجها، من وجهة نظر بعض الليبراليين أو الماركسيين الاسرائيليين، أو من وجهة نظر ” الصهيونية الجديدة ” . فقد شهد الغرب وبشكل خاص اوروبا الغربية ولادة ونمو تيار سياسي عند بعض المثقفين الاسرائيليين واليهود يعالج سينما القضية الفلسطينية ،ومنحى يخالف وجهة النظر الصهيونية الكلاسيكية، التي يقوم مبدؤها الرئيسي بأن فلسطين هي ” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ” . ومن هذه الأفلام ” من أجل الفلسطينيين اسرائيلية تشهد ” ل دينابوليتي .” حتى نعيش بحرية ” لشيمون لوفيتش. و” الحوار العربي الاسرائيلي” للأمريكي ليونيل روغوزين وغيرها .

وقد نشرت باللغتين الفرنسية والانكليزية بعض الدراسات عن هذه الأفلام، إلاّ أنّ النقاد السينمائيين الملتزمين بالثورة الفلسطينية لم يدرسوا بعد هذه الظاهرة بشكل شامل لتحديد آفاق هذه الأفلام السياسية ونتائجها الاعلامية. ولايزعم هذا المقال الإجابة على هذا النقص. بل يهدف إلى الإجابة على الأسئلة، التي أثيرت سابقا وإلى الرغبة في محاولة ” تبديد الدخان العكر، الذي يكدر صفو أيام جو الحرب” في مهرجان دولي للأفلام التسجيلية والتلفزيونية، دون ضوضاء أو مماحكة.

“النضال من أجل الأرض أو فلسطين في اسرائيل” فيلم تسجيلي يبلغ طوله 46 دقيقة صدر بالالوان ومقاسه 16 ملم وقد سجل الصوت مغناطيسيا على النسخة الموجودة في بيروت. وتدل المعلومات المتوفرة على أن مخرج الفيلم هو ماريو اوفنبرغ، 30 سنة ، يحمل الجنسية الاسرائيلية، حاصل على الدكتوراة في العلوم السياسية ويقيم منذ أكثر من سبع سنوات في برلين الغربية، حيث يدرس التاريخ في جامعتها .

وسبق لهذا الفيلم أن عرض في مهرجان دولي للأفلام التسجيلية في اسبانيا في (قرية بينا لمادينا) خريف 1977، إلا أن عرضه في المهرجان العشرين للأفلام التسجيلية والتلفزيونية في لايبزغ في تشرين الأول ( نوفمبر) 1977 قد أثار ” حوار الطرشان بين قلة من العرب المشتركين في المهرجان وكثرة – الباقين” على حد تعبير سعيد مراد. وقد سبب عرضه ” احراجات وإرباكات لادارة المهرجان الصديقة ” . وتناول الجدل القائم حوله ، مسألتين أساسيتين :- اولاهما هوية الفيلم وثانيتهما جوهره السياسي .

لنبحث إذن في المسألة الاولى :

ورد اسم ماريو اوفنبرغ ،اسرائيلي الجنسية في الكتيب ،الذي أصدرته إدارة المهرجان والمتضمن أسماء وجنسيات الضيوف والمشتركين والصحفيين ، وذكر سعيد مراد بأن ” إدارة مهرجان لايبزغ قد نوهت بهوية الفيلم وصاحبه ومسحت كلمة اسرائيل من اللوحة التي تتضمن عروض كل يوم من أيام المهرجان .

وفي نسخة بيروت لايوجد أي ذكر للجهة المنتجة . وقد أفاد الفنان الفلسطيني اسماعيل شموط عضو وفد م.ت.ف. إلى مهرجان لايبزغ ، إبان العرض الخاص للفيلم في بيروت، بأنه ” قد اطلع على الاستمارة، التي تقدم بها ماريو اوفنبرغ إلى إدارة المهرجان وقال بأن م. اوفنبرغ قد ترك مكانا فارغا في جنسية الفيلم” .

ونقل مشتركون في مهرجان اسبانيا بأن نسخة الفيلم المعروضة هناك نصّت بصراحة على أن انتاج الفيلم قد تمّ بفضل منحة مادية من جامعة برلين الغربية. وقد تأكدتُ من ذلك من مراجعة الكتيب، الذي أصدرته إدارة الاسبوع التاسع الدولي لسينما المؤلف ( بنا لمادينا . 14-23 تشرين الأول (اوكتوبر) 1977 وقد نشر فيه بان الفيلم من إنتاج المعهد العالمي للأفلام التوثيقية في برلين، Hochschulfilmreterat der FU: Berlin

إذن الفيلم من إنتاج الماني غربي وليس من انتاج اسرائيلي وماريو اوغنبرغ، الذي تجاهل هذا الامر فضّل، لسبب ما، إغفال ذكر جنسية الفيلم في مهرجان لايبزغ . والسؤال ، الذي يفرض نفسه مباشرة : لماذا هذا الإبهام؟ ويمكننا أن نستنتج بأن في تصرف م. اوفنبرغ مؤشرا ما، على نية، سنعمل على إيضاحه في حينه. وبذلك نصل إلى المحتوى السياسي للفيلم.

لنتحسس قليلا في عرض محتوى الفيلم وفي شرح العلاقة، التي لاتنفصم بين الصوت والصورة.

يبدأ الفيلم بمشهد فلاح فلسطيني، ينظر عبر نافذة غرفته إلى جنّات فلسطين، ويعرّف بنفسه قائلا : ” أنا فلاح ابن فلاح منذ آلاف السنين. لاأقدر أن أعيش إلا بالأرض والزراعة ” ويتناول هيكل الفيلم دراسة ثلاث حالات :

  • قرية صفورية في الجليل.
  • قرية عرعرة في المثلث.
  • مدينة تل أبيب ( المدينة الحيّة ! )

شخصيات الفيلم أربعة من العرب الفلسطينيين واسرائيليان. ولكن عمّ يتكلم هؤلاء جميعا ؟ لنستعرضهم واحدا واحدا. المثل العربي يقول : احترموا النساء والشيوخ. وباعتبار أن الفيلم يقتصر على الرجال – فلنعط المسنين منهم أفضلية الكلام.

الفلاح المسن مصطفى سليم معاذ، صادر الصهاينه منه 120 دونما من الأرض، ثم عرضوا عليه تبادلها مع أراض أخرى وعندما قبل، تنكروا لعرضهم. هو يشتكي بأن ” هناك تميييزا ضدنا. ليس لدينا حقوق كاليهود. الحل ! ينبغي أن يتمتع اليهود والعرب بحقوق متساوية. نريدالعدل والمساواة لأن العدل هو السلام والسلام هو حياة الإنسان ” .

أما الفلاح المسن الآخر عبدالمجيد الرشيد فيروي كيف هدد الصهاينة قريته وهاجموها وأجبروا أهلها على الرحيل.

ورغبة منا في الحفاظ على انسجام عرض المواقف الفلسطينية، سنعطي حق الكلام للشابين العربيين دونما أي نية في التمييز ضد اليهود.

يؤكد علي الأزهري المولود في صفورية عام 1948 بأن قريته المصادرة مثلها مثل مئات من القرى الفلسطينية، ويضيف وهو ينظر إلى بيت والديه الذي سلبهم إياه الصهاينة بأن هناك شعبان يهودي من طرف وفلسطيني هضمت حقوقه القومية والانسانية من طرف آخر .

أما أحمد مصاروة– الذي أغاظ الحاضرين في العرض الخاص لتكلّمه بالعبرية—فيوافق على مقولة الأزهري ويضيف بأن قريته عرعرة هي في نفس وضع كل القرى العربية. فقد صادر الصهاينة 35000-36000 دونما من أصل أراضيها البالغة 40000 دونم.

ويضيف: ” أن فلاحي القرية تحولوا إلى عمال في تل أبيب ” .

والاسرائيليان هم الشاب يهود عين جيل ويتكلم عن بناء تل أبيب على أنقاض ” كروم جبالي ” العربية وعن ” عودة اللاجئين “. واودد بلوفسكي من تل أبيب. وبدون أي تردد استطيع التأكيد بأنه يعبّر عن المحتوى السياسي الفعلي للفيلم. لقد أعطاه م. اوفنبرغ الفرصة ليستعرض مايحلو له من جوانب القضية وهو الذي يملي أيضا الحلول في نهاية الفيلم. وإذا ماافترضنا بأن ماريو اوفنبرغ لم ” يراقب ” كلام اودد بلوفسكي فإنه بوسعنا أن نضيف بأن بلوفسكي قد لعب دور ” البطل السياسي ” في الفيلم.

لنستعرض معا مايقول :- ” في الوقت، الذي يواصل فيه الجميع هنا في اسرائيل التحدث عن الفضائح ، يستمر سلب الأراضي من العرب. لقد أراد الصهاينة بناء الكيبوتزات كمثل للمساواة في المجتمع. وقد كــان بناء تل أبيــب في هذا المجــال جـزءا من استعمار البلاد “. وقد تطورت المدينة ولكنها لم تبنى في الأساس على الكثبان الرملية كما تقول النظرية الصهيونية، فالصهاينة يعتقدون بأن هذه الأرض تنتظر الخلاص، فهي أرض بدون شعب { وإذا كان هناك من حل } فلن ينجح أي حل لايأخذ بعين الاعتبار جميع حقوق الفلسطينيين شريطة ألا يعني هذا طرد من سلبوهم أرضهم .

“إن معظم الاسرائيليين يرغبون في استمرار نفس السياسة الاسرائيلية ( مصادرة الأراضي ) لتوفير أمنهم. ويبرر الصهاينة استقدام اليهود إلى اسرائيل برغبتهم في خلق دولة يهودية بحتة. وتدعي الصهيونية بأن المكان الوحيد الآمن لسلم اليهود هو اسرائيل .

وفي الوقت الذي تقول فيه الدعاية الصهيونية لليهود ( تعالوا إلى اسرائيل لإنقاذ اليهود ) فإن الحقيقة أصبحت في الشعار التالي : ( تعالوا إلى اسرائيل لإنقاذ اسرائيل ).

ويصيح اودد بلوفسكي بحرارة بالاستنتاج الأساسي للفيلم قائلا : ” يجب أن يكون هناك نضال مشترك لليهود والعرب على هذه الأرض. هذه الأرض جزء منها هو اسرائيل وجزء آخر تحتله اسرائيل ويعيش عليه فلسطينيون. والحل الوحيد هو التعايش بين سالبي الأرض ومسلوبيها ” .

كذا !

الفلسطينيون في فيلم ماريو اوفنبرغ ينددون ضمن الحدود التي يسمح بها الاحتلال الصهيوني بالسياسة الصهيونية وبمصادرة الأراضي العربية، ويفضحون التمييز القائم ضدهم ويؤكدون على وجودهم الوطني ويرون الحل في إقامة العدل والمساواة وإحلال السلام.

أمّا الاسرائيليون فيعترفون بأن الحركة الصهيونية واسرائيل تقومان بمصادرة هذه الأراضي وبأنه لايوجد حل للمشكلة إلاّ بتعايش العرب واليهود معا على هذه الأرض :

“فلسطين في اسرائيل ” أي التي جزء منها هو اسرائيل والجزء الآخرماتحتله اسرائيل.

ترى هل ينطق بطل الفيلم الاسرائيلي اودد بلوفسكي المقيم في تل أبيب باسم المخرج الاسرائيلي ماريو اوفنبرغ المقيم في برلين الغربية؟ .

إذا تحسسّنا بشكل أرعن لنطقنا بدون تفكير : طبعا. وإذا ضبطنا أعصابنا وفكرنا قليلا فإننا نستطيع أن نجزم بدون أن نخشى أن يكذبنا أحد بمايلي :

تجاهل فيلم ” النضال من أجل فلسطين، أو فلسطين في اسرائيل ” تجاهلا مطلقا الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وخاصة حقه في السيادة وفي إقامة دولة مستقلة على تراب وطنه. كما أنه لم يذكر أبدا بأن م.ت.ف.موجودة وهي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

هناك حتما من يتسرع ويعترض علينا عاتبا :–

ماريو اوفنبرغ واودد بلوفسكي اسرائيليان، وأنت لاتتصور بأنهما لا يستطيعان تبني موقف العرب. وأن مجرد إدانتهما لمصادرة الأراضي العربية لهو تطور ايجابي في حد ذاته داخل المجتمع الاسرائيلي”.

وحتى لانتسرّع نحن ونتحمس دوغماتيكيا فلنترو قليلا … طيب لماذا لم يذكر الفيلم ولو لمرة واحدة على الأقل، ضرورة انسحاب اسرائيل من الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة ؟.

إن اودد بلوفسكي يدعوا في نهاية الفيلم للنضال المشترك للعرب واليهود بغية التعايش على هذه الأرض ( حسب تعريفه = اسرائيل + الجزء المحتل من قبل اسرائيل) ألا يعني هذا ، بكل صراحة ومن دون مواربة منه، سيادة دولة اسرائيل على كل فلسطين وإنكار حق الشعب الفلسطيني في السيادة على وطنه؟ ثم إنه تكلم بشكل غامض عن النضال المشترك.

بأية وسيلة؟ فلا أثر في الفيلم لوجود الثورة الفلسطينية المسلحة منذ 13 سنة .

إن الفيلم ينتقد سياسة مصادرة الأراضي من العرب. ولكنه لايفسرها بوضوح. ربما يعتقد ماريو اوفنبرغ كالأمم المتحدة مثلا، بأن خطأ تاريخيا قد ارتكب بحق شعب فلسطين. وأنا هنا أحسن الظن به. ولكن الفيلم هو أبعد مايكون عن إدانة ( الجريمة المنكرة) التي ارتكبت بحق شعبنا .

باعتبار أن ماريو اوفنبرغ يطرح نفسه كماركسي تقدمي، فلنقارن بين موقفه السياسي في الفيلم وبين موقفين آخرين : الأول موقف الحكومة الاسرائيلية، يجيب برنامج تحالف الليكود بأن ” اسرائيل الكبرى جزء لايتجزأ من التراث الأبدي للشعب اليهودي “. ويضيف الارهابي بيغن مرتكب مجزرة دير ياسين بأنه لايوجد شعب فلسطيني، ويقترح على ” نزلاء السامرة واليهودية وغزة” من غير اليهود حق الإدارة الذاتية ضمن السيادة الاسرائيلية ، وتؤكد بيانات الحكومة الاسرائيلية والحركة الصهيونية كل يوم بأنهما ضد قيام دولة فلسطينية مستقلة وضد الإعتراف ب م.ت.ف. وضد عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم .

والموقف الثاني هو موقف الحزب الشيوعي الاسرائيلي: يدعوا راكاح إلى تعايش دولة اسرائيل مع دولة فلسطينية على الضفة الغربية وغزة ، وإلى عودة اللاجئين الفلسطينيين وانسحاب اسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة عام 1967.

فما هو الفرق بين موقف م. اوفنبرغ ” الماركسي والتقدمي ” الاسرائيلي ، الذي لا ينتمي إلى أي حزب وموقف الحكومة الاسرائيلية وراكاح ؟

لاشك بأن هناك فرقا. فالموقف الصهيوني الرسمي هو مع الاستمرار في مصادرة الأراضي العربية وتهويد فلسطين وموقف م.اوفنبرغ أو أودد بلوفسكي هو في انتقاد هذه السياسة نظرا للتحسس الذي بدأ بعض الاسرائيليين بالشعور به ولإدراك خطورة الاستمرار في هذه السياسة على أمن اسرائيل. وبينما تنفي الصهيونية الكلاسيكية أي وجود وطني للشعب الفلسطيني وترفض حقه في إقامة دولة مستقلة والاعتراف بمنظمته الشرعية م.ت.ف. فان فيلم م.اوفنبرغ يتجاهل هذه القضايا ويتحدث بحياء عن عودة اللاجئين ( إلى أين ! ) وبضرورة التعايش بين اليهود والعرب. برنامج بيغن عن الإدارة الذاتية في الضفة الغربية وقطاع غزة يعني اسباغ الصفة الشرعية والقانونية على تكريس الاحتلال الاسرائيلي. أمّا فيلم م.اوفنبرغ فيدعوأهلنا في أرض ال48 إلى التعايش مع سالبي أرضهم في ” اسرائيل وما تحتله اسرائيل من أراضي”. ولاأدري ماهو موقف اودد بلوفسكي من اطروحات الصهيوني مناحم بيغن، الذ ينادي بدولة اسرائيل الكبرى، التي تضم كل فلسطين وأجزاء من سيناء والجولان وجنوبي لبنان!.

ومن الواضح بعد هذا أن نشير إلى أنّ موقف م. اوفنبرغ يتقدم قليلا على موقف الليكود، ولكنه يتأخر كثيرا عن موقف راكاح . ومع ذلك فقد تعجّبنا كثيرا عندما قرأنا سعيد مراد وهو مقتنع بأن ” ماريو يشاطر رأي العرب والجماهير العربية وقواها المناضلة وحركاتها التقدمية في تصوره حقيقة اسرائيل والصهيونية وفي فهمه للقضية الفلسطينية وأبعادها من حيث هي مشكلة شعب تآمرت عليه الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية مفتعلة دولة اسرائيل، التي قامت على تشريد هذا الشعب من أرضه واغتصاب حقه الوطني التاريخي في فلسطين. وبناءا على مارأيناه في الفيلم نحن نشك بذلك. ربما تحدث سعيد مراد عن فيلم آخرلماريو اوفنبرغ غير فيلمه الذي نحن بصدده. وربما كان ماريو اوفنبرغ يشاطر ( سرا أو على جنب كما يقال ) رأي الجماهير العربية ..الخ.

ولكن لنتكلم قليلا عن الفيلم فهو موضوع بحثنا، بدلا من التكلم عن مخرج الفيلم، وكما رأينا فهو لايشاطر حتى راكاح في موقفه السياسي.إن الحق الوطني الوحيد للشعب الفلسطيني، الذ يتكلم عنه الفيلم بشكل هامشي هو حق عودة اللاجئين إلى ” اسرائيل والجزء من الأرض التي تحتله اسرائيل”.

وربما كان مفيدا أكثر للجميع أن ننتقل الآن من التنفيذ السياسي إلى العمل السينمائي للوصول إلى قناعة أرسخ في هذه المعطيات

في البدء، كانت السينما صورة، واليوم بعد رحلة طويلة، لاتزال الصورة تلعب دورها الرئيسي في الأفلام، والمضمون السياسي لفيلم اوفنبرغ كان سيبدو نسبيا دون قيمة تذكر لولا مشاهد الفيلم الحديثة ووثائقه التاريخية. إن إحساس المتفرج مرتبط بالمشاعر، التي تثيرها ( الصورة أو تخلقها العلاقة بين الصوت والصورة في الفيلم) وإذا …ماكان المشاهد يجهل لغة الفيلم، فإن الصورة ستكون الحكم الفصل في الرأي والإنطباع .

يعتقد سعيد مراد بأن ” المعالجة في فيلم ماريو تعتمد على لغة الوثيقة والارقام والوقائع الحية لإزاحة ركام التضليل الصهيوني … الذي حاول أن يطمس حقيقة عروبة، أي فلسطينية، كل مافي فلسطين من قرى ونواح وأماكن ومدن. بل إن المعالجة هدفت إلى تبيان أن كل حجر في اسرائيل أصله عربي وأن علاقةالصهيونية به إنما هي علاقة تزييف واغتصاب. حتى أن مدينة تل أبيب ليس فيها من ( الأصالة ) اليهودية سوى الأسماء التي أطلقتها الدولة الاسرائيليةعلى شوارع وأماكن أشادتها بعد قيامها، بعد أن هدمت اصولها وبدلت اسماءهاالعربية بأسماء صهيونية” .

ونحن نعرف الآن بأن ماريو اوفنبرغ هو استاذ في التاريخ . وإن كنا نجهل في أي تاريخ. بيد أن فيلمه يحتوي على وثائق تسجيلية تاريخية. والقاصي والداني في عالم السينما يعرفان بأن التعليق على هذه الوثائق والمونتاج، الذي يستخدمها ليسا أبدا حياديين .

ففي الفيلم مايزيد عن 10 وثائق تاريخية تتراوح مدة عرضها بين عدة ثوان إلى مايربو على العشرين ثانية على وجه التقريب. وماريو اوفنبرغ، الذي وجد في السينما التسجيلية أداة فعلة للتعبير عن رأيه في القضية الفلسطينية، لم يترد لحظة واحدة عن استخدام هذه الوثائق على النحو الذي يروق له. واستخدمها فعلا ليبين التناقض القائم بين الماضي والحاضر على أرض فلسطين، وبين ” العرب واليهود ” .وكرر استخدام ( الوثائق نفسها مثى وثلاثا عند الحاجة.هذا الاختياروهذا الاستخدام للوثائق هما اللذان …سعّرا الغضب وأثارا الحماسة في جدال مهرجان لابزغ حول الفيلم. ).

وحول إحدى هذه الوثائق يقول أحد العرب المحتجين على عرض الفيلم في المهرجان المذكور : ” هذا الفيلم نوع من الدعاية الصهيونية إذ يظهر العرب مع دوابهم وأمتعتهم في هيئة ذرية”.

أما سعيد مراد فيصرخ بأعلى صوته: ” لاتلتقطوا هذه المشاهد على نحو تجزيئي أبتر، فالوثيقة نادرة الأهمية عن تشريد الفلسطينيين عام 1948″.

وقبل أن نحلل دون صخب هذه الوثيقة التاريخية وكيف استخدمها ماريو اوفنبرغ في الفيلم ليسمح لنا القارىء أن نقول رأينا بصراحة. إن ماريو اوفنبرغ استاذ التاريخ لم يلتزم على صعيد الصورة بالحقائق التاريخية. أكثر من هذا، لقد أساء استخدام الوثائق التاريخية سينمائيا، كما أساء استخدامها سياسيا، وهذا مؤشر جديد عل نيته. لو كنا ساذجين لالتمسنا العذرلماريو اوفنبرغ في الاستخدام السيء للوثائق ولنسبناه إلى جهله في الفن السينمائي، ولكن تعمده هذا الاستخدام السيء وتكراره ذلك مرارا يدفعنا إلى القول : استاذ التاريخ يزيف التاريخ .

التفاصيل : يظهر المشهد ،الذي وصفه سعيد مراد بوثيقة نادرة الأهمية عن تشريد الفلسطينيين عام 1948 مجموعة من ” البدو والفلاحين ” الرجال مع دوابهم وأمتعتهم في هيئة زرية وبنمط من الثياب يعود إلى العقدين الأولين من هذا القرن،ورغبة منا في التأكد من الانطباعات رأينا الفيلم أكثر من مرة وأمعنا انظرفي هذه الوثيقة. ولدهشتنا اكتشفنا في المجموعة من يركب على البقر ! نعم على البقر.

سألت والدي وآخرين وكلهم مسن من فلسطين عمّا إذا كان الفلاحون الفلسطينيون يركبون البقرفي عام 1948، فنفوا ذلك نفيا قاطعا. بل وأكدوا لي بأن ” الغوارنة ” فقط وهم قلة في فلسطين- ويسكنون المناطق المسماة تارة (جفتلك) وتارة أخرى( البص) كانوا يركبون الجواميس فقط في المستنقعات ( على حوافي نهر المفجر غربي الخضيرة، بالقرب من الطنطورة وفي سهل الحولة مثلا) حيث ينبت السمار والحلفا المستخدم في صناعة الحصير وشجر الطرفا المستخدم في بناء البيوت في مطلع هذا القرن بفلسطين ، أمّا الفلاحون في فلسطين فقد كانوا يستخدمون ( العَمّال ) وصغيره يدعى ( العلول) في الحراثة. ولكنهم لم يستخدموا البقر أبدا للركوب. وقد ضعفت ظاهرة استخدام البقر في الحراثة في فلسطين كظاهرة اقتصادية رئيسية فيما بعد، نظرا لانتشار المكننة في الزراعة .ولم يكتف ماريو اوفنبرغ في استخدام هذه الوثيقة ضمن إطار ” رحيل اللاجئين عام 1948″ فقط وإنما كررها ثلاث مرات في الثلث الأول من الفيلم. وعرضها في المرة الأولى عندما كان الفلاح المسن عبدالمجيد الرشيد يتحدث عن رفضه بيع الأراضي، وفي المرة الثانية عندما كان الفلاح المسن الآخرمصطفى سليم معاد ينادي بحقوق متساوية بين العرب واليهود، وكان سوء النية فاضحا عندما استخدمها ماريو اوفنبرغ للمرة الثالثة، فقد مررها في الفيلم في الوقت الذي كان فيه اودد بلوفسكي يتحدث عن سلب أراضي العرب، وأتبعها مباشرة بمشاهدة صهاينة يرقصون في حلبة رقص في كيبوتز، وكهول وشباب منهم حسنو المنظر يفلحون الارض بجد وسعادة وختم المقطع كله بمشهد لأرض شديدة الخضرة.

إن استخدام هذه الوثيقة، التي لاتمت إلى هجرة عام 1948 بصلة ، وتكرار الاستخدام على النحو المبين أعلاه بعيد عن حسن النية، بل هو تزوير على التاريخ وإيحاء سينمائي أقوى من التعليق المرافق له: فالناظر يسمع التعليق \سرقوا الأرض\ والصورة تؤكد له دونما أي تردد \منيح اللي سرقوها\.

كان بودنا أن نقول ببساطة لقد أخطأ م. اوفنبرغ سينمائيا، فهذا أول أفلامه ، لولا أن هذا الاستخدام السيء للوثائق قد تكرر أكثر من مرة . لنأخذ مثلا آخر، مشهد الفلاحات الفلسطينيات حافيات الاقدام يدسن بأرجلهن الوسخة ماء البركة الذي يعبئنه في جرار الشرب ( العسليات)، لقد استخدم م.اوفنبرغ هذا المشهد مرتين.وقد أردف في المرة الأولى بمشهد لأم اسرائيلية يرافقها صبيها وتدفع عربة طفل صغير- وكلهم حسنو المظهر- بهدوء في أحد شوارع تل أبيب. إن التناقض بين المشهدين، بين الأسود والأبيض في الوثيقة والملون \ الحديث في تل أبيب، بين ” الوسخ والتخلف” وبين ” النظافة والمدنية، ليدفع أي مشاهد أجنبي لأن يقول : الاسرائيليون يستحقون الحياة أما الفلسطينيون فلا.

وهكذا، وإذا تكلم ماريو اوفنبرغ فعلا عن الأصول العربية في فلسطين فقد تكلم عنها التاريخ فقط. إن تكريسه عدة دقائق متواصلة لشوارع تل أبيب ودكاكينها ومقاهيها، المصورة بشكل جميل وجذاب ينم عن أكثر من حب للمدينة. إن كلمات اودد بلوفسكي : ” إن الأرض تنتظر الخلاص لانها أرض بدون شعب. هذا مايشعربه الصهاينة ” . تمر دون أن يصغي إليها أحد وتبقى السيرانادا التي يغنيها م. اوفنبرغ لتل أبيب، ماريو اوفنبرغ، الذي يعرّف نفسه ك ” ماركسي تقدمي” لايتذكر على الاطلاق آنذاك أن الشاب الفلسطيني أحمد مصاروة قد قال له قبل دقائق – وبالعبرية- بأن فلاحي قريته عرعرة أصبحوا عمالا في تل أبيب. ومن الواضح تماما أن أوضاع العمال الفلسطينييين المضطهدين قوميا والمستغَلين طبقيا في تل أبيب لاتهم ماريو اوفنبرغ المشغول بافتتانه بهذه ” المدينة الحية ” .

إن فيلم ” النضال من أجل الأرض أو فلسطين في اسرائيل، يهدف على المستويين السياسي والسينمائي إلى الدعوة لتعايش اللاجئين الفلسطينيين مع دولة اسرائيل. يكرّس ماهو قائم. ورغم انتقاده الاستمرار في سياسة مصادرة الأراضي العربية ( التي لم يبق منها إلاّ القليل في أراضي ال48) ورغم مطالبته بتحسين أوضاع القرى العربية ( مد الكهرباء مثلا ) فإنه يظهر الوجود الوطني الفلسطيني عبر الوثائق التسجيلية القديمة كوجود هامشي، مهلهل تاريخيا ، لشعب لايستحق الحياة . لاينبس الفيلم ببنت شفة عن نضالات الشعب الفلسطيني والجماهير العرية ضد الاستعمار البريطاني وضد الحركة الصهيونية. والعجيب أن ماريو اوفنبرغ استاذ التاريخ فضّل شراء وثائق تسجيلية عن شيوخ بدو وخيامهم وقهوتهم ووثائق اجتماعية عن ” الغوارنة فقط ” ، بدلا من شراء وثائق تتكلم عن مجمل الشعب الفلسطيني ونضالاته ومظاهراته في أعوام 1919 و 1920 و1921 أو عن انتفاضة 1929 أو عن ثورة 1936- 1939 أو عن جهاد 1947- 1948 . أكثر من هذا لايوجد أي أثر في الفيلم أيضا عن التواطىء القائم منذ البدء بين الحركة الصهيونية والاستعمار والامبريالية. فالمقارنة بين مدينة تل أبيب اليوم وبين بدو الفلسطينيين في أوائل القرن تستلزم من أي شخص صادق مع نفسه – سواء كان ماركسيا أم لا أن يقول بأن هذا التطور قد تم بمساعدة الامبريالية الامريكية ، التي تؤمّن منذ خلق دولة اسرائيل مايقارب من 500 مليون دولار سنويا للكيان الصهيوني. كما أن العجب يأخذنا عندما نرى هذا الماركسي وهو يلخص النشاطات الاقتصادية للشعب الفلسطيني خلال النصف الأول من هذا القرن ( كتلقيط الزيتون وعصر الزيت وقطف البرتقال ودرس القمح ) في 25 ثانية من أصل 46 دقيقة للفيلم .

هل يمكن بعد هذا كله أن نستنتج بأن ماريو اوفنبرغ صهيوني ؟ .

من الصعب الإجابة على هذا السؤال، إذا كان فعلا ينوي القيام باخراج سلسلة من الأفلام للإحاطة بالقضية الفلسطينية . ولكننا نستطيع القول بأن فيلمه هذا لايخرج سياسيا عن إطار ” الصهيونية الحديثة ” أو ” الصهيونية الليبرالية ” ، التي بدأت تطالب تحت ضغط تطور النضالات المختلفة للشعب الفلسطيني وللمنجزات التي حققتها ثورته في داخل الوطن المحتل وخارجه ، بتحسين أوضاع العرب تحت ” سيادة اسرائيل الكبرى ” . مثل هذه الأفلام تلقى رواجا في الغرب ولكن من المبالغة التصور بأنها ستعرض مرارا سواء في الوطن العربي أو في اسرائيل . إن الغرب المتعطش لحل الصراع العربي – الصهيوني بغية تأمين النفط لصناعته والأمن لدوله، سيرى في هذا الفيلم أولا وقبل كل شيء حسن نية الاسرائيليين ازاء الفلسطينيين ” دون أن يقدم الفيلم أي تنازل جوهري عن الأهداف الصهيونية ” ( استمرار الاحتلال ، نفي الوجود الوطني للشعب الفلسطيني .. الخ .

فقط نشير إلى أن ماريو اوفنبرغ درس في كتابه ” الشيوعية في فلسطين ، الأمة والطبقة مع الثورة المعادية للاستعمار” أفكار الصهيوني الاشتراكي ” بوروشوف ” منظر حركة البوعالي تسيون. وربما تأثر بها :

كان (بير بوروشوف )يسمي مواطني فلسطين العرب بالسكان المولودين في فلسطين، وقد أكّد على أنهم لايمتلكون أية ثقافة قومية خاصة بهم، وليس عندهم أية صفات قومية مميزة. ومن هنا فإنهم يقبلون بأية ثقافة مستوردة تكون على مستوى أعلى من ثقافتهم، وسيكونون عاجزين عن إبداء أية مقاومة منظمة ضد التأثيرات الخارجية، ولن يستطيعوا الدخول في منافسة قومية ( على العمل ) …

وقد استنتج بوروشوف بأن السكان العرب في فلسطين ” سيندمجون اقتصاديا وثقافيا مع من يضمن النظام في البلاد ويعمل على تطوير القوى الانتاجية ” .

لقد أفرحتني رؤية الخضرة الزمردية لجنان فلسطين التي صورها الفيلم بجمالية عالية . وقد ذكّرني سور الصبر أمام قرية صفورية ، وهو علامة مميزة لقرى فلسطين بلوحات الفنانة الفلسطينية جمانة الحسيني، وكنت أسعد ما أكون عندما رأيت الاجتماع الحاشد بمناسبة يوم الأرض (30- 3 – 1977) والجماهير تفد إليه هاتفة: ” بالروح بالدم نفديك ياجليل ” .

وتذكرت مظاهرات شعبنا في الضفة الغربية وفي قطاع غزة وفي لبنان وغيره وهي تقسم : ” بالروح بالدم نفديك يافلسطين ” . إن الوحدة الوطنية لشعب فلسطين في داخل الأرض المحتلة وخارجها هي أهم منجز حققته الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها. وهذا ماتجاهله كليّة فيلم ماريو اوفنبرغ .

وفي هذا الفيلم وعلى الطريق بين يافا وتل أبيب يهيم عربيان، تماما كما يهيم هندي أحمر في مدن الكاوبوي الامريكية، وبدا هذان العربيان أمام أحد جوامع يافا المتداعية وأمام شجرة نخيل كرمز للذاكرة وللماضي، الذي مهما تحسّر عليه الإنسان يبقى ماضيا لن يعود .

إن فلسطين ليست طيفا ولن تكون كما زعم عنوان الفيلم ” في اسرائيل، فلسطين ماض وحاضر ومستقبل.” . وأبلغ رد على زعم ماريو اوفنبرغ هو ماقاله الفلاح الفلسطيني المسن عبدالمجيد الرشيد،وقد عبّر عنه بكلمات بسيطة ثابتة، مليئة بإرادة النضال : ” منذ 30 سنة وهذه الحالة مستمرة، لاأريد أن أبيع أرضي … وهيّاني” .

بعد كل هذا لابد من السؤال : هل يستحق فيلم ماريو اوفنبرغ جائزة م.ت.ف.؟

فيلم م. اوفنبرغ سيغيظ الصهاينة – الكلاسيكيين وبعض الاسرائيليين، لتركيزه الأضواء على الاصول العربية لفلسطين ولتنديده بالاستمرار في سياسة سلب الاراضي العربية، لكنه في الوقت ذاته سيغيظ كثيرا من العرب والفلسطينيين لانه تكلم عن القضية الفلسطينية كقضية لاجئين هجروا من أراضيهم ولأنه طرح حلا ( سياسيا لمشكلتهم ضمن إطار السيادة الاسرائيلية على فلسطين ولأنه تناسى …) أو أغفل عمدا الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

ربما يستحق الفيلم جائزة لجرأته على إغاظة الصهاينة الكلاسيكيين . وإن كنت لاأدري من هي الجهة المخولة بمنحه هذه الجائزة؟ أما موقف الوفد السينمائي الفلسطيني لمهرجان لايبزغ فهو موقف خاطىء في رأيي.

كان إعطاء جائزة م.ت.ف. لفيلم ماريو اوفنبرغ المرة السادسة التي تعطى فيها هذه الجائزة لفيلم ، على حد علمي ، ونظرا لأنه لايوجد حتى الآن أي توثيق لهذا الأمر فمن المفيد إدراج قائمة الأفلام الممنوحة حتى اليوم ( رغم احتياج هذه المعلومات إلى تدقيق أوفر) كما يلي :

  1. فيلم ” أغنية على الممر ” للمخرج علي عبد الخالق- مصري ، المناسبة : المهرجان الدولي الأول ( والأخيرحتى الآن ) لسينما الشباب، دمشق 1972.
  2. فيلم ” حتى آخر رجل ” انتاج سوري ، المناسبة المهرجان الدولي الاول ( والأخير حتى الآن ) لسينما الشباب . دمشق 1972.
  3. فيلم ” بلادي ” للمخرج فرانسيس روسر . سويسري . المناسبة : المهرجان الدولي الأول لافلام وبرامج فلسطين – بغداد – 1973.
  4. فيلم ” ميلاد أمة ” عن نضال غينيا –بيساو ، إخراج مجموعة من السويديين، المناسبة : الأيام السينمائية لقرطاج ، المكان والزمان تونس – 1974.
  5. فيلم ” كفر قاسم ” الأيام السينمائية لقرطاج ، تونس – 1974.
  6. فيلم ” النضال من أجل الأرض أو فلسطين في اسرائيل ” المخرج ماريو اوفنبرغ – اسرائيلي، المناسبة المهرجان العشرين للافلام التسجيلية والتلفزيونية لايبزيغ – 1977.
  7. فيلم ” الفلسطيني ” ، المخرج رؤى باترزياي – بريطاني ، فانسيا ريدريدغريف- بريطانية ، المناسبة المهرجان الدولي الثالث لافلام وبرامج فلسطين . بغداد – 1978.

وقد أصبح اسم جائزة م.ت.ف. السينمائية ” جائزة هاني جوهرية ” منذ استشهاده يوم 11.4.1976 .

ومن المفترض منح هذه الجائزة للفيلم ، الذي تنطبق عليه الاهداف التي ناضل واستشهد من أجلها هاني جوهرية ورفاق له : أن يعبر الفيلم بشكل فني عن النضال ضد الصهيونية والامبريالية والرجعية، ضد العنصرية والفاشية، من أجل الدفاع عن حرية الشعوب ودعم حركات التحرر وتأييد الكفاح المسلح ، الذي يخوضه الشعب الفلسطيني بغية استعادة حقوقه الوطنية الثابتة ومن أجل أن تكون فلسطين ديمقراطية .

وحتى لاتتكرر الاجتهادات الفردية لتجنب أخطاء سياسية فادحة فقد آن الاوان ل م.ت.ف. أن تقوم بالتعاون مع مؤسسة السينما الفلسطينية ( التي بادرت بخلق هذه الجائزة وبمنحها منذ عام 1972 ) باعداد قواعد ومبادىء لمنح هذه الجائزة وتعيين لجنة مسؤولة عن ذلك حتى تكرّم الافلام ، التي تستحق فعلا التكريم، ونوفر لأصدقائنا جوا يسمح لهم بتفهم موقفنا تفهما واضحا.


المصدر : مجلة شؤون فلسطينية – العدد : 80، تموز ( يوليو) 1978

إقرأ أيضا

Leave a Comment