موقع الشهيد عز الدين قلق

كلمة الوفد الفرنسي في تأبين عز الدين قلق

البروفيسور ميشيل لاريفيير | أمـّا بالنسبة إلى الحياة الرغيدة ، فإن عزالدين لم يعرف مذاق الحياة المريحة، كما أنه لم يعرف راحة البال، كان التهديد يلاحقه دائما، حتى قبل أن يتولى مركزه، كان يعيش بلا مأوى، ينام عند الأصدقاء ليلة هنا وأخرى هناك، دون أن ينال مذاق الراحة، حتى لايورّط أصدقاءه

قبر من الحجر.. من المؤلم أن لا نتعرّف عليه نحن الفرنسيون، الذين لانستطيع فكّ رموز شاهدة قبره.

قبر من الحجر.. مشابه لقبور أخرى في مقبرة اليرموك، وهو بلا شك يشبه القبور الموجودة في مقبرة الشهداء في بيروت.

لقد توقـّف قلبا عزالدين وعدنان عن النبض لكي يدخلا عالم الأسطورة …

أيها الشعب الفلسطيني..

إن النضال، الذي تخوضه قد جذبنا إليك، أيقظنا من أنانيتنا، وذكـّرنا بأنه لا سلام ولا حرية لأيّ منّا طالما هناك إنسان مـُضطهـَد، لايـُعترف بهويته. وفي غمرة هذا النضال لا يمكن إطالة زمن الحزن والدموع، لأنّ زمن المنطق يجب أن يحلّ محلـّهما، وإذا ما أطلقنا العنان للحزن والدموع فإنهما سيمكنان العدو من النيل منّا، إنّ الألم العظيم الذي نشعر به منذ استشهاد رفيقين لنا، أخوين لنا، يجب أن يلحق بركب العالم الداخلي لآلامنا، التي تزيدها الحياة تراكما، ومن الضروري أن تحل رؤيا واضحة لأعمالنا، التي ننتظرها في الغد، محل هذا الألم.

لقد ترك لنا عز الدين وعدنان رسالة في أعناقنا، وستمثل الطريق التي نسلكها لإكمال هذه الرسالة، برهانا على إخلاصنا لذكراهما .

أيها الشعب الفلسطيني … لقد أتينا إلى هنا لنؤكد على المزايا الفريدة التي يتمتع بها ولـَداك، اللذان سقطا في المعركة بشجاعة لاتقل شأنا عن شجاعة أولئك، الذين يسقطون في ساحة المعركة والسلاح بأيديهم.

مرّات عدّة سمعنا أصواتا عربية تنال من ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج، فهم كما تدّعي هذه الأصوات يتمتعون بحياة رغيدة مريحة، ويتمتعون بالحماية شأنهم في ذلك شأن أي وسط دبلوماسي آخر، بعيدا عن الشقاء، الذي يلاقيه شعبهم في المنفى أو في الأرض المحتلة، لكن لنرى الآن أين هي الحماية التي تمتع بها عز الدين وعدنان؟

لقد اغتيل ممثلو منظمة التحرير الفلسطينية في باريس ولندن والكويت وكذلك في الباكستان، لتلحق بهم قائمة أخرى من المناضلين المثقفين، وهؤلاء كانوا عرضة للهجوم على الدوام ، رغم كونهم ناطقين رسميين عظماء بصوت فلسطين في الخارج. أين هي الحماية التي تمتعوا بها كما يدّعي المدّعون، كان ممكنا أن يموت عدنان خلال عامين قضاهما في بيروت أثناء الحرب، وهاهو يأتي إلى فرنسا ويسقط على أيدي القتلة بعد مرور عام على وصوله إليها.

أمـّا بالنسبة إلى الحياة الرغيدة، فإن عز الدين لم يعرف مذاق الحياة المريحة، كما أنه لم يعرف راحة البال، كان التهديد يلاحقه دائما، حتى قبل أن يتولى مركزه، كان يعيش بلا مأوى، ينام عند الأصدقاء ليلة هنا وأخرى هناك، دون أن ينال مذاق الراحة، حتى لايورّط أصدقاءه، كان عمله جبارا، لقد أيقظ ضمير الشعب الفرنسي في الوقت، الذي كان غارقاً فيه تحت وطأة الدعاية الصهيونية، التي تسيطر على كل وسائل الإعلام تقريبا، لقد عرف بإتقان ٍكيف يحلل عقلية الفرنسيين ونفسيتهم، بدقة وصبر دائمين، مدركا بشكل تام السلاح، الذي يستخدمه الصهاينة، لقد ابتعد عن العنف، وسلك طريق غزو القلوب والعقول، وذلك بمثابرته على لقاء كل الأوساط الشعبية، لقد اعتدنا على رؤيته في كل مكان، من الاجتماعات الشعبية وحتى توصّل إلى قصر الإليزيه بالذات. والشيء الأعظم من ذلك أنه أضحى كما سمـّته الصحافة الفرنسية: فلسطينيّ التلفزيون.

لقد لاحظتم بلا شك أي شخص لامع هو عز الدين، الذي تحدثت عنه الصحافة الفرنسية، والتي وصلتكم هنا، وما وجود فرنسيين هنا من فئات مختلفة: سياسيين، نقابيين، صحافيين، جامعيين، رسامين، و سينمائيين إلاّ دليلا ماديا رائعا على ألمعية وأهمية عزالدين.

إنّ موت من أحببنا لايمكن تبريره بأي شكل من الأشكال، كان على عز الدين أن يسقط على أيدي الصهاينة، الذين يعتبرونه عدوا خطيرا لهم، لقد كان عزالدين يعرف هذا حتى قبل نيله شرف الاستشهاد.

من المؤلم ومن المعيب أيضا أن يسقط سفراء القضية الفلسطينية العظماء، الذين هم أبناء الأمة العربية ومن مثقفيها، بيد عربية.

وداعا عزالدين ….

وداعا عدنان …

سنحفظ ذكراكم ما حيينا

ألقاها البروفيسور ميشيل لاريفيير – رئيس الجمعية الطبية الفلسطينية-الفرنسية

صالة الحمراء
دمشق
15.9.1978

إقرأ أيضا

Leave a Comment